الــهــي الـــهـــي لــمــاذا تــــركتنـــــــــــي؟ (متى 27-46).

 

          إن كل من يسمع هذه الكلمات يعتقد بأن الآب قد ترك الابن. ولكــن هذه العبارة لا تعني أن لاهوته ترك ناسوته.وانما تعني أن الآب قد تركه للعذاب.إن لاهوته لم يترك ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. بهذا نؤمن. ولو أن هذا حصل لما اعتبرت كفارة ولا حصل غفران للخطايا لجميع البشر. ومن جهة علاقته بالآب، فلم يتركه.( لأنه في الآب، والآب فيه).( يو 14-11).فان عبارة لماذا تركتني معناها تركني للعذاب.هذا من جهة النفس،أي الغضب الإلهي. أما من جهة الجسد فقد تركني أحس العذاب وأشعر به.

         ولكن الآب ترك الابن يتألم والابن قبل هذا الترك وتعذب به، وهو من اجل هذا جاء.من أجل محبته للبشر. ومن أجل وفاء العدل. تركه يتألم ويبذل ويدفع،دون أن ينفصل عنه. وكذلك تعني إن آلام الصلب كانت آلاما حقيقية. وآلام الغضب الإلهي كانت مبرحة.وكل آلام الفداء، كانت كذبيحة محرقة تتحول إلى رماد وتوفي عدل الله كاملا.فإذن لماذا قالها؟قالها لأنه أخلى ذاته وأخذ شكل العبد، صائرا شبه الإنسان، وقد وجد  في الهيئة كانسان.( في 2:7-8). وأيضا قالها ( لأنه وضع نفسه)( وأطاع حتى الموت، موت الصليب).(في 2-9).

             هنا نرى البشرية كلها تتكلم على فمه.إذ وضعت عليه كل خطايا البشر.والخطية انفصال عن الله، وموضع غضب الله. لكن السيد المسيح ناب عن البشرية في كل شيء. ناب عنا في الصوم. صام عنّا أربعين يوما. وناب عنّا في طاعة الناموس. الجميع زاغوا وفسدوا. جاء المسيح فناب عن البشر في طاعة الآب. ناب عنّا في الموت وفي العذاب وفي دفع ثمن الخطية. واحتمل كل لعنة الناموس وغضب الله كنائب عن البشرية.لذلك تركه الكل حتى الآب. وبهذا دفع ثمن الخطية وتحمّل الغضب. فخرج منتصرا بعد أن جاز المعصرة وحده نفسا وجسدا. وفي هذا كله أعطانا درسا لكي نحترس نحن.إن كانت الخطية تسبب كل هذا الترك، وكل هذا التخلي،وكل هذا الألم. فلنسلك نحن بتدقيق.( أف 5-15).ولنخف إن نترك الرب لئلا يتركنا. وألم الترك لا يطاق، وفي كل ذلك فلنشكر ربنا يسوع المسيح ونسبّحه على كل هذا الحب وهذا البذل.

              إذن هذه العبارة تعطينا الكثير من العزاء كلما نقع في الضيقات. إن كان اللـه لم يشفق على ابنه وسلّمه للعذاب، وسر أن يسحق بالحزن ابنه الوحيد الحبيب الذي قال عنه:( هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت).(متى 3-17).مع كل ذلك، فلماذا نحن إذن نتذمر على الضيقات؟ فأخيرا إن هذه العبارة لم تكن نوعا من الاحتجاج أو الشكوى.كما قلنا. إنما كانت مجرد  تسجيل لآلامه، واثبات حقيقتها، واعلان بأن عمل الفداء سائر في طريق التمام.